يونس التايب: الأدوار التنموية محصورة لدى الوزارات.. والجماعات الترابية مجبرة على الاشتغال بإمكانيات ضئيلة بينما الانتظارات التي تحاصرها تكبر

 يونس التايب: الأدوار التنموية محصورة لدى الوزارات.. والجماعات الترابية مجبرة على الاشتغال بإمكانيات ضئيلة بينما الانتظارات التي تحاصرها تكبر
حاورته - خولة اجعيفري
الخميس 30 نونبر 2023 - 12:47

تتوالى شكاوى رؤساء الجماعات الترابية، من واقع ضعف التمويل و"العجز المالي"، وندرة الكفاءات التي تسهر على تنفيذ البرامج التنموية، الأمر الذي يفسر ضعف الحصيلة الجماعاتية في السنتين الأخيرتين، الأمر الذي دفع منتخبي التجمع الوطني للأحرار إلى رفع تظلمهم لرئيس الحزب والحكومة، عزيز أخنوش، مُطالبين بتمكينهم من ولوج القروض بسهولة من صندوق التجهيز الجماعي والأبناك، وتوسيع اختصاصات الجماعات ورفع الوصاية الوزارية، ومد هذه المؤسسات المنتخبة بكل الوسائل لإنجاح عملها والقيام بمسؤولياتها، والتجاوب مع انتظارات المواطنين.

وفي هذا الحوار الذي أجرته "الصحيفة"، مع يونس التايب، الخبير في الحكامة الترابية وسياسات الإدماج، نُسلط الضوء على التحديات التي تواجهها حوالي 1305 جماعة بـ12 جهة و75 عمالة وإقليما، بما فيها الجماعات التي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار، والتي تواجه صعوبات بالجملة انعكست على حصيلتها الفقيرة في السنتين الأخيرتين، الأمر الذي يُفسر تعالي الأصوات المنتخبة المُطالبة بحلحلة هذه المشكلة الهيكلية التي باتت تمنع تنزيل الأوراش التنموية الموعود بها من لدن الأحزاب المعنية، وهو ما عبّر عننه أخيرا عبد الله غازي، رئيس الفيدرالية الوطنية للمنتخبين التجمعيين، الذي نبه إلى النقص الحاد الذي تشهده الميزانيات المخصصة للجماعات الترابية، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية، وتشديد وزارة الداخلية على ضرورة ترشيد النفقات وتحديد الأولويات في ظل التحديات المالية التي تواجهها الجماعات الترابية، نتيجة للأزمة الاقتصادية المترتبة عن الجفاف وارتفاع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار.

تشتكي الجماعات الترابية، بما فيها تلك التي يرأسها سياسيون من حزب رئيس الحكومة، من إكراهات مالية وُصفت بالحادة، آخرها فاس، التي يرأس مجلسها الجماعي العمدة التجمعي عبد السلام البقالي، التي وصل الاستثمار المجالي فيها إلى 6 في المائة، ثم المشاكل المرتبطة بالنزاعات الشخصية، مثل ما يحدث في الرباط، التي ترأس مجلسها الجماعية أيضا التجمعية أسماء اغلالو، والتي تشهد ميزانيتها حالة "بلوكاج"، إلى أي حد هذا الواقع سيُفشل تنزيل الأوراش التنموية التي وعدت بها الأحزاب المنتخبة على رأس هذه الجماعات لاسيما بالنسبة للجماعات الكبرى؟

في رأيي، لا يمكن الحديث عن الجماعات الترابية في بلادنا، كأنها شيء واحد له نفس الخصائص والمواصفات، فعلى أرض الواقع هنالك تنوع كبير في الجماعات الترابية من حيث إمكانياتها وطبيعة المشاكل التي تواجهها.

يجب أن نعي أن هنالك جماعات كبيرة بإمكانياتها المفترضة وبمجالها الترابي والديمغرافي، وهنالك جماعات متوسطة في كل شيء، وهنالك جماعات صغيرة تكاد لا تُرى على كل المستويات، وبالتالي، لا يمكن التعاطي مع الجماعات الترابية بشكل واحد و حلول نمطية.

وبشكل عام، محاولة تقييم أداء الجماعات لا يمكن أن يتم دون استحضار معطيين هامين يفرضان واقعا موضوعيا مؤثرا بشكل كبير، المعطى الأول، هو كون الجماعات الترابية لم تعد توظف أو تشغل موارد بشرية جديدة منذ سنة 2013 تقريبا، مما أدى عمليا إلى تآكل رصيد الموارد البشرية الجماعاتية، مع تسجيل مغادرة عدد كبير من الأطر الجماعية بسبب التقاعد أو الوفاة، دون أي خلف جديد يحافظ للجماعات على الفعالية المطلوبة للقيام بكامل مهامها، وتغطية جميع المجالات التي عليها أن تتحرك ضمنها، بما فيها محاور تحصيل المستحقات الضريبية، وتدبير المرافق الخدماتية التجارية وغير التجارية، وضبط ملف التعمير ورخص السكن بالشكل المطلوب.

أما المعطى الثاني، فمرتبط بانحسار ميزانية غالبية الجماعات الترابية خلال السنوات الأخيرة، لتصبح الجماعات ملزمة بالاشتغال بإمكانيات أقل، بينما الانتظارات التي تحاصرها تكبر بسبب التزايد الديمغرافي واتساع المجال العمراني، وارتفاع الطلب الشعبي على الخدمات الأساسية ومرافق القرب.

هل يمكن اعتبار أن هذه المعطيات التي ذكرتها، "تشفع" للأحزاب نظرا لتعثر تنزيل وعودها الانتخابية، لاسيما في ظل هشاشة التنزيل المسجلّ في غضون السنتين الماضيتين؟

صراحة، نحن أمام معادلة صعبة، تتجسد في المفارقة الواضحة بين تضخم الصورة السياسية للجماعات الترابية التي توصف بأنها فاعل مؤسساتي كبير يساهم في التنمية وفق أدوار توصف بأنها كبرى، وبين الحقيقة على الأرض التي يميزها ضعف الإمكانيات المتوفرة لغالبية الجماعات الترابية التي توجد في وضعية هشاشة بنيوية على مستوى الإمكانيات، ما يحد من قدرتها على تأدية أدوارها والمساهمة في الأوراش التنموية التي وعدت بها الأحزاب، وبالتالي، تبقى أهم الأدوار التنموية محصورة لدى الوزارات القطاعات والمؤسسات العمومية التي لها قدرة أكبر على الفعل الاستثماري وتمويل المشاريع التنموية، ولديها رصيد من الموارد البشرية الذي يتجدد باستمرار وبأريحية أكبر.

لذلك، أحد الحلول لتعزيز قدرة الجماعات على الفعل التنموي المجالي، هو تطوير الشراكات بين الحكومة وبين الجهات والجماعات الترابية الأخرى، على أساس تعاقد جديد يحدد أهدافا موضوعية واقعية، تتعاطى مع الشأن المحلي بعيدا عن الهاجس السياسي الانتخابي، لتحقيق التنمية والإدماج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتعليمي والصحي، كما يتعين تسهيل وتسريع الشراكات بين جماعاتية  Inter communalité وتطوير نماذج جديدة للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، على المستوى الجهوي والمحلي، مع فتح الباب للمقاولات الصغرى والمتوسطة التي تنتمي للمجالات الجغرافية الجهوية لتشجيع نهضة الفعل المقاولاتي الخدماتي الذي له وقع اجتماعي أكبر والذي يرتكز على الرأسمال البشري الجهوي.

أي دور يمكن أن تلعبه الأحزاب في هذا الإطار لدعم الجماعات في تأدية مهامها الدستورية؟

طبعا الأحزاب يمكنها فعل الكثير، بشرط توفر إرادة سياسية استراتيجية لتطوير العمل الحزبي عبر رد الاعتبار للتأطير السياسي والإعلامي الذي باستطاعته إعادة القيمة الرمزية للسياسة، وبالتالي يجب على الأحزاب أن تقوم بدور تكوين وإنتاج نخب سياسية محلية حقيقية، عبر فعل ديمقراطي يرتكز على الرصيد النضالي والكفاءة السياسية، وجعل مسألة الوجاهة الاجتماعية أو القدرات المادية أحد عناصر المعادلة الانتخابية و ليس كل عناصرها.

بذلك، يمكن للأحزاب أن تكون في غنى عما نراه من سباق عبثي محموم في "سوق الانتقالات" عشية كل استحقاق انتخابي، لاستقطاب "منتخبين كبار" من أحزاب منافسة للفوز بأكبر قدر من المقاعد، مع ما يترتب عن ذلك من خلط للأوراق وتشويه لصورة العمل السياسي محليا ووطنيا، وتسفيه لأهمية المشاركة المواطنة في المحطات الانتخابية كفعل ديمقراطي أساسي لبناء تشاركي لمجتمع التنمية.

في اعتقادي، نحن بعيدون عن المحطة الانتخابية لذلك يمكن فتح نقاش هادئ، بهاجس تنموي حقيقي بعيد عن السياسوية والجشع الانتخابوي، لبحث ما يتعين تغييره على مستوى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية التي ظهرت بها عدة اختلالات تعيق التنمية والتقدم الذي نريده للفعل الجماعاتي.

وزارة الداخلية طالبت مرارا الجماعات بترشيد النفقات، هل من الممكن أن يكون هذا جزءا من المشكلة التي جعلت الحصيلة الجماعاتية ضئيلة جدا؟

بموضوعية ما تقوم به وزارة الداخلية، في إطار اختصاصاتها وعلاقتها بالجماعات الترابية، مهم بشكل كبير لتطوير العمل الجماعاتي، سواء ما يتم في المركز من خلال عمل مصالح المديرية العامة للجماعات الترابية، أو ما يتم محليا من خلال التأطير الذي تقوم به أقسام الجماعات الترابية بالعمالات والأقاليم.

لابد هنا، من تسجيل الأثر الإيجابي الذي أحدثه برامج التكوين المستمر وبرامج عصرنة التدبير، وكذا أوراش التحول الرقمي وتنويع المنصات الإلكترونية الخدماتية، من تطوير للأداء وتعزيز للشفافية في تداول المعلومات على مستوى عدد كبير من الجماعات الترابية.

لكن، حتى تعمم الاستفادة، من الضروري مواكبة تلك المجهودات من خلال نهج المواكبة التقنية للجماعات الترابية، خاصة الصغيرة والمتوسطة، وتطوير قدرات الترافع وجلب إمكانيات جديدة من مصادر متنوعة، عبر الشراكة مع المجتمع المدني مثلا، كما يجب تحفيز الإمكانيات المادية والبشرية للجماعات الترابية بشكل أكبر، خاصة الجماعات النائية التي تفتقر لموارد جبائية، حتى تصبح قادرة على الانخراط بشكل أكثر فعالية في أوراش العصرنة والتأهيل والتنمية.

بشكل عام، التحديات كبيرة وستزداد قوة في المستقبل، لذلك على الفاعلين المعنيين تسريع تدبير المشاكل المطروحة حاليا قبل أن تكبر وتستفحل، ويجب التعاطي مع الجماعات الترابية على أنها فرصة حقيقية وليست إكراها في وجه تحقيق التنمية، فقط، يتعين تعزيز قدراتها وإمكانياتها، وإطلاق جيل جديد من تطوير الأداء عبر أنماط جديدة للتدبير القائم على التقائية السياسات العمومية في البعد الترابي، وتنويع الشراكات وتسهيلها، وتطوير التواصل المؤسساتي، ورفع قدرة الجماعات الترابية على الترافع، وتعزيز إدماج السكان في الفعل التنموي، وتطوير الشراكة مع تنظيمات المجتمع المدني من خلال بلورة أشكال دعم تقني ملائمة.

آن الأوان للمغرب أن يدير ظهره كليا للجزائر!

لا يبدو أن علاقة المغرب مع الجزائر ستتحسن على الأقل خلال عِقدين إلى ثلاثة عقود مُقبلة. فحتى لو غادر "عواجز العسكر" ممن يتحكمون بالسلطة في الجزائر، فهناك جيل صاعد بكامله، ...